"هل نحن من يراقب الذكاء الاصطناعي، أم أن الذكاء الاصطناعي يراقبنا؟"
في زمن تتسارع فيه التكنولوجيا بوتيرة غير مسبوقة، يظهر سؤال يبدو بسيطاً لكنه يفتح أبواباً واسعة للتفكير .. من يراقب من؟ هل المفتي هو من يوجّه الروبوت، أم أن الروبوت أصبح رقيباً على صوابية الفتوى وصدقها؟
- الرقابة بين البشر والآلة:-
لطالما كانت الرقابة في المجال الديني وظيفة إنسانية بحتة، يمارسها الفقيه أو المفتي عبر البصيرة والوعي بالكتاب والسنة، متسلحاً بالمعرفة والخبرة.
لكن اليوم، يظهر مسمى "مراقب رقمي" قادر على تحليل النصوص، كشف التناقضات، ورصد المخالفات في قرارات يصدرها الإنسان.
هنا يتغير المشهد .. لم يعد الرقيب حكراً على البشر، بل أصبح للآلة حضور صامت لكنه صارم.
- هل يفهم الروبوت أبعاد الشرع؟
لذا .. الأسئلة الفلسفية تتضاعف .. هل يستطيع الذكاء الاصطناعي فهم نوايا البشر والمرونة في تطبيق الأحكام كما يفهمها المفتي؟
أم سيظل مجرد أداة تتبع قواعد برمجية؟
وهل سيأتي يوم يصبح فيه الروبوت مرجعية دقيقة للفَتوى، بينما يراقب المفتي بدوره الآلة؟
الواقع يدعونا للتفكير .. هل المعرفة الشرعية مسألة قواعد صارمة يمكن للآلة استيعابها، أم هي حكمة متجذرة في تجربة الإنسان وتفاعله مع مجتمعه؟
- عين لا تنام . البعد الأخلاقي:-
الذكاء الاصطناعي يمتاز بالدقة وقدرته على معالجة كم هائل من البيانات، لكنه يفتقد الضمير والنية الإنسانية.
المفتي، رغم خبرته، قد يغفل عن تفاصيل دقيقة أو يخطئ في التقدير.
والسؤال الأخلاقي هنا .. هل نثق بالإنسان، أو بالآلة، أو بكليهما معاً؟
هل الرقابة الرقمية تعكس امتداداً للعدل الإلهي أم محاكاة صارمة للتقنية البشرية؟
- أمثلة واقعية:-
الفتوى الرقمية .. تطبيقات ذكية تقدم استشارات دينية، تحلل آلاف الأسئلة في دقائق، لكنها لا تستطيع فهم السياق الاجتماعي أو النية.
المراجعة الشرعية الرقمية للبنوك الإسلامية .. أنظمة ذكية تراقب التزام المنتجات المالية بالمعايير الشرعية، بسرعة ودقة تفوق التدقيق البشري.
في هذه الأمثلة، يظهر الروبوت كـ"مراقب"، بينما يظل المفتي هو الحكم النهائي عند الحاجة للتفسير.
- سؤال النهاية .. من يراقب من؟
ربما يكمن جمال الفلسفة في هذا الصدام بين الإنسان والآلة، إذ يضعنا أمام سؤال أعمق .. هل الرقابة مسؤولية بشرية بحتة، أم أن المستقبل سيعيد تعريفها؟
في نهاية المطاف، لا يتعلق الأمر بمن يراقب من، بل بكيفية التوازن بين حكمة الإنسان ودقة الآلة، بين الروح والقانون، بين الإيمان والمنطق .. هذا التوازن سيحدد شكل العلاقة المستقبلية بين الإنسان والآلة، وبين الفقه التقليدي والتقنيات الحديثة، في عالم تتشابك فيه حدود العقل والآلة.