الذكاء الاصطناعي على كرسي المفتي: قراءة في دور الرقابة الشرعية بين الثوابت الفقهية والتحولات التقنية

انشىء من قبل Talent & Performance Section في الرقابة الشرعية 3/08/2025
شارك

المقدمة

في زمنٍ تجلس فيه الخوارزميات على عروش اتخاذ القرار، وتُسند للذكاء الاصطناعي مهام التوجيه والتشخيص والتنبؤ، يُطرح سؤالٌ جريء لا يخلو من الجدل: هل يمكن أن يحتل الذكاء الاصطناعي "كرسي المفتي"؟ وهل ستظل إدارة الرقابة الشرعية محتفظة بدورها في عالمٍ يُعاد تشكيله بواسطة تقنيات تفكر وتتعلم وتتفاعل بلا توقف؟ يحاول هذا المقال استكشاف حدود الدور البشري في الفتوى والرقابة في مواجهة الطوفان الرقمي.

______________________________________

1. من هو المفتي.. ومن هو الروبوت؟

المفتي في التراث الإسلامي ليس مجرد ناقل للأحكام، بل هو فقيهٌ ذو وعي سياقي يجمع بين فهم النص وفهم الواقع. في المقابل، الروبوت أو نظام الذكاء الاصطناعي هو آلة تتغذى على البيانات، وتستخرج منها أنماطاً وتوصيات بناءً على خوارزميات.

ولكن... الذكاء الاصطناعي لا "يعقل" مقاصد الشريعة، ولا يزن المصالح والمفاسد بميزان الفقهاء، ولا يدرك روح الحكم، بل فقط نص البيانات.

إذن... لا مجال لمفاضلة بين المفتي والآلة، بل السؤال الحقيقي هو: كيف يمكن للرقابة الشرعية أن تتفاعل بذكاء مع هذا الواقع دون أن تفقد دورها؟

______________________________________

2. الرقابة الشرعية في زمن التحوّل الرقمي

إدارة الرقابة الشرعية هي صمّام الأمان لأي مؤسسة مالية إسلامية، تتأكد من انضباط الأعمال مع أحكام الشريعة. ومع دخول الذكاء الاصطناعي على الخط، يبرز أمامها تحديان كبيران:

- تحدي الأدوات الجديدة: وهي عبارة عن أنظمة التمويل الذكي.

o الشات بوتات التي تقدم "استشارات شرعية".

o أنظمة اتخاذ القرار الآلي في البنوك.

- تحدي المفاهيم:

o هل يمكن للذكاء الاصطناعي إصدار فتوى؟

o كيف يمكن التأكد من توافق مخرجاته مع الضوابط الفقهية؟

o من المسؤول شرعاً عن خطأ خوارزمي؟

______________________________________

3. كيف تتعامل الرقابة الشرعية مع الذكاء الاصطناعي؟

- من الرفض إلى التكيّف:

o الرقابة الشرعية لا يمكنها أن تقف موقف العاجز أو المتوجس، بل عليها أن تتطور من مراقبة يدوية كلاسيكية إلى تحليل ذكي للبيانات الشرعية.

o من مراجعة تقارير دورية إلى نظام تنبيه آلي لأي مخالفة شرعية.

- أدوات ممكنة: منصات تدقيق شرعي مدعومة بالذكاء الاصطناعي.

o محركات بحث شرعية تعتمد على الذكاء السياقي وليس النصي فقط.

o نماذج تعلّم آلي تفهم أنماط المعاملات وتُنبه لمواطن الاشتباه.

- "مفتي رقمي مساعد" وليس بديلاً:

o الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة في يد الفقيه لا بديلاً عنه.

o على غرار الحاسبة في يد المحاسب، لا تُلغي دوره، بل تضاعف إنتاجيته.

______________________________________

4. توصيات للمؤسسات المالية الإسلامية:

- بناء كوادر شرعية تقنية تفهم الفقه والخوارزميات معاً.

- تحديث أدلة السياسات الشرعية لتشمل التحديات الرقمية.

- استخدام الذكاء الاصطناعي في التدقيق الداخلي والتنبؤ بالمخالفات.

- الرقابة الاستباقية لا اللاحقة: بناء أنظمة تراقب المخاطر الشرعية قبل وقوعها.

______________________________________

وفي الختام... من يملك القرار؟

في نهاية المطاف، لا يستطيع الذكاء الاصطناعي أن "يفتي"، لأنه يفتقد الروح، والسياق، والمقاصد. لكن من غير المنطقي أيضاً أن تُقصى هذه التقنية من ميدان العمل الشرعي.

الحل ليس في التخلي ولا التفويض المطلق، بل في الشراكة الواعية... عقل بشري يُفكر بمقاصد، وآلة ذكية تُساعد ببيانات. وهكذا يبقى "كرسي المفتي" محفوظاً وإن جلس الذكاء الاصطناعي بجانبه، لا عليه.

التعليقات (1)

Yahia.almattari طاقم العمل
25/08/2025 | 10:37

مقال مهم .. شكرا لكاتبه

شارك

شارك هذا المنشور مع الآخرين